صباح اليوم الأول من نيسان 2017، كتب الموت الكلمة الأخيرة في قصيدة الشاعر العراقي الكبير معد الجبوري، خاتماً مسيرة أدبية استمرت لأكثر من أربعين عاماً، أضاف خلالها أكثر من خمسة عشر مؤلّفاً شعرياً ومسرحياً، احتاجت الكثير من الاحتفاء والتكريمات والجوائز المختلفة لقاء ما أضافته من قيمة إلى الأدب العربي المعاصر.
وربما ليس من باب الصدفة أن يكون ديوان الشاعر الأخير، واحد من إصدارات #دار_نينوى_للدراسات_والنشر_والتوزيع، والذي صدر عام 2010 تحت عنوان: مخطوط موصلي، متضمّناً 53 قصيدة تحكي تعلّق الجبوري بروح المكان، حاراته، أسواقه، ناسه وعاداتهم.. هو الذيانتمى أكثر من أي شيء آخر إلى مدينته الموصل، التابعة لمحافظة نينوى العراقية، حيث وُلِد وعاش وانتهت مسيرته عن 71 عاماً.
وكان الشاعر العراقي الراحل قد بدأ حياته في مهنة التدريس بعد تخرجه من كلية الشريعة في جامعة بغداد 1968، ثم عمل صحفياً في جريدة القادسية، ومديراً لفرقة التمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح في مدينة نينوى. قبل أنيترأس إدارة المجمع الإذاعي والتلفزيوني بنينوى لمدة 14 عاماً، أنهاها بتقاعد طوعي بُعيد دخول القوّات الأميركية إلى العراق في عام 2003.
كان الشاعر عضواً في اتحاد الأدباء والكُتّاب العرب، إلى جانب عضويته في اتّحاد الأدباء والكُتاب العراقيين منذ 1971، حيث شغل عضوية مجلسه المركزي لثلاث دورات متتالية من 1996 إلى 2003. وإلى جانب ذلك كله، تسلّم منصب رئاسة فرع نقابة الفنانين في نينوى بين عامي 1981 و1985، ثم رئاسة اللجنة الاستشارية للثقافة والفنون في نينوى بين 1996 و1998. وبين هذا وذلك، استمرّ إنتاجه الأدبي على مدار أكثر من 45 عاماً بين دواوين ومؤلفات ومقالات منشورة في صحف ومطبوعات عربية وعراقية مرموقة.
زلزال الشعر...
بدأ الجبوري حياته الأدبية مع ديوان "اعترافات المتهم الغائب" عام 1971، تتالت وراءه المؤلفات والدواوين الأخرى، وتنوّعت بين الشعر والمسرح الشعري، حيث ألّف العديد من المسرحيات التي لقيت احتفاءً خاصاً على الصعيد العربي والعالمي، وتمّت ترجمة معظمها إلى عدد من اللغات العالمية. وتتوّج نتاجه الأدبي هذا بالعديد من التكريماتودروع وشهادات الإبداع في كلّ من: جامعة الموصل، دار عراقيون للأنباء والنشر، الجامعة الحرة، جامعة تكريت، مركز السريان للثقافة والفنون، في قضاء الحمدانية (قرة قوش)، إلى جانب جائزة الدولة ( الإبداع في الشعر- لعام 2001 ) عن مجموعته الشعرية (أوراق الماء).
وعلى مدار سنوات إنتاجه الأدبي، احتفى الأدباء والنُقاد والمترجمون بزخم عطاء الجبوري، من خلال العديد من الدراسات الأكاديمية التي تناولت هذا الإنتاج بالكثير من الاحتفاء والدقة والتقدير. فيما كان لم يغب حضوره الشعري في مدن عديدة حلَّ فيها، عبر اللقاءات والقراءات الشعرية، منها: دمشق، القاهرة، الرباط، تونس، صنعاء، عَمَّان، مقديشو، طنجة، وجدة، مراكش، الدار البيضاء، أصيلة، سوسة، المنستير، تعز، عدن، حلب، دير الزور، الحسكة، معرة النعمان، استنبول، أنقرة, صوفيا، بودابست، بخارست، بلغراد، براغ، لندن، دكا، بانكوك وغيرها.
ولم تكن الكتابة لدى الجبوري مجرّد تعبير عن عاطفة أو شعور، بل كانت حالة وطقس خاص، وقد عبّر عن ذلك في قوله: "القصيدةُ لديَّ تبدأ من شرارةٍ تقدحُ فجأةً لسببٍ ما، فتشعلُ حرائقَها في كياني فلا أهدأ حتى تبينَ ملامحُ الجنين، فأعمل بخزين رؤاي وتراكم خبرتي على تعميقِ قَسَماتِ تلك الملامح، ولا أغادرُ فضاءَ القصيدة حتى أحسَّ أنها قد حملتْ صوتي وبصماتي الخاصة.. أحياناً، وبعدَ لحظة الولادة، أطلقُ القصيدةَ كما هي، مسفوحةً على الورق أمام المتلقي .. أطلقُها هكذا: بِدفئِها وشوائبِها وبقايا دمِ المشيمة، ثم أديرُ ظهري بانتظارِ شرارةٍ أخرى".
توالت مؤلفات الكاتب على مدار أربعين عاماً، حيث أصدر 17 مؤلفاً كالتالي:
لا شكّ أنه بوفاة الجبّوري قد سجّل التاريخ خسارة قامة أدبية شامخة، وخسره المكان والموصل ونينوى وكل المُحبّين الذين جمعهم الشعر والإنسانية.. إلا أنّ ما بقي منه للمكان والوطن والشعر، خالدٌ وساطع كشمس الجمال التي لا تفنى برحيل من صنعه..